الأحد، 20 يونيو 2010

أزمة دار فور والنفق المظلم

أزمة دار فور والنفق المظلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن ظهور إشكالا للعمل المسلح بمنطقة دار فور أيا كان نوعها وكمها , يشكل بذرة لتكوينات مسلحة جديدة وقد تتحول إلي نشاط سياسي يعبر عن أهداف ومطالب , وهذا ما تجهله حكومة الخرطوم في سياستها تجاه هذه المنطقة ذات الموقع الإستراتيجي جغرافيا وسياسيا , وإنساقت حكومة الخرطوم تجاه سياسة الإقصاء والتهميش والإهمال التي زادت من غياب التنمية لدرجة إنعدامها تماما في جميع مناحي الحياة 0

فتولدت مشاعر الغبن السياسي والإقتصادي لدي أهل دار فور , وزاد من التعميق سياسة الجبهة الإسلامية المعروفة ( فرق تسد ) فمارست عمليات تمزيق المجتمع في دار فور عبر العصبية العرقية , وأصبح الكسب السياسي لحكومة الخرطوم يأتي من مناصرة القبيلة للنظام وسيلة للحصول علي المنصب السياسي , وأصبح الكيد والكيل من قبيلة أخري وسيلة أيضا لإقصاء أبناء تلك القبيلة والحصول لها علي نفس المنصب السياسي , هذا الصراع السياسي المصنوع بأيدي قذرة من النظام كان وراءه خطر ظل يتنامي يوما بعد يوم في دار فور منذ ظهوره في المنطقة قبل مجيء هذا النظام لسدة ا لحكم , ولكن هذا النظام مسئول مسئولية مباشرة عن إنفجار الأوضاع في دار فور لأنه أذكي نار الفتنة وصنع لها الوقود وجمع لها الحطب , بل صب الزيت علي النار عندما قام بتسليح ميليشيات الجنجويد وذهب أبعد من ذلك بأن قام بتقنينها شكلا بإستيعابهم في صفوف القوات المسلحة والشرطة , ولكن بعد فوات الأوان , وبعد الإدانة الدولية للنظام بإرتكابه مخالفات في القانون الدولي الإنساني , وأن الآلة التي تقتل بالوكالة ( الجنجويد ) قد إرتكبت فظائع شكلت جريمة ضد الإنسانية 0

أشكال وصور العمل المسلح بدار فور
1- جماعات النهب المسلح :
إن جريمة السرقة بالتهديد عن طريق إستخدام السلاح كانت موجودة في السودان عامة وفي جميع أقاليمه حيث كانت تعرف ( بالهمبته ) أي أن جماعة الهمباتة كانت تشكل مصدر تهديد للمارة من الناس عند تنقلهم بين المدن والقرى والأسواق , وغالبا تكون في وضح النهار , ولكن يتم في عملية السرقة إستخدام السلاح الأبيض ( العصا – السكين – الحربة – السيف وغيرها ) 0

وأحيانا يستجيب الفرد من الهمباته لإستفزازات الضحية ويترك أو يتخلى عن إستخدام سلاحه ويدخل مع الضحية في معركة مباشرة بدون إستخدام السلاح أيا كان نوعه , أما الآن فتحولت المعركة إلي معركة يستخدم فيها السلاح الناري ضد المواطنين العزل وأصبح السلاح وسيلة للكسب السريع بعد سنوات الجفاف والقحط , والذي شجع فى ذلك تنامي برامج الدولة في عمليات عسكرة المدنيين بدون شروط مسبقة وبدون فحص جنائي 0
فالدولة لجأت إلي توفير الكم منهم لمواجهة عمليات حرب الجنوب التي طال أمدها , وأن حكومة الإنقاذ التي وصلت إلي سدة الحكم علي ظهر دبابة بإنقلاب عسكري مولود من صلب الحركة الإسلامية المعروفة بممارسة العنف والإرهاب في جميع مواقعها في العالم لدرجة شوهت صورة الإسلام علي سطح هذه البرية وهي لا تدرك المعاني القيمة لقول الرسول ( ص ) أخ كريم ورب أخ كريم – في حادثة الشخص الذي أراد قتل الرسول ( ص ) 0

وبهذه الأخطاء إنتشر السلاح في دار فور , وإنتشر التدريب العشوائي , فإن ضعاف النفوس ومعهم الذين لا يؤمنون بأن حرب الجنوب حرب مقدسة , وأن الذين لا يرغبون في الموت في الجنوب مقابل مرتب الإستخلاف لجأوا إلي الإستفادة من نظرية ( نهب لمدة ساعتين أفضل من إغتراب سنتين ) فظهرت جماعات النهب المسلح وتطورت عملياتها لدرجة عجزت الحكومة تماما عن التصدي لها , ووصل حال المواطنين إلي درجة فقد الثقة في الحكومة وقواتها العسكرية من القيام بتوفير الأمن لهم أو لحمايتهم من هجمات النهب المسلح أو إسترداد أموالهم المنهوبة أو القصاص من الجناة الفعليين الذين إرتكبوا الحادث 0

وفشلت الحكومة تماما في دراسة الظاهرة وتحليلها وتقييمها حتي تتمكن من إيجاد الحلول لها , وحتي هذه اللحظة لم تظهر لجماعة النهب المسلح أجندة سياسية , كما أنها جماعة مشكلة من عدة إثنيات من قبائل دار فور كل مافي الأمر يجمعهم هدف تحقيق المصلحة , وأنهم ألفوا هذا العمل وأن لهم رئيس يأتمرون بأمره في كل عملية يقوموا بتنفيذها , وأن إنتصاراتهم المتلاحقة ضد الحكومة شجعتهم في الإستمرار , كما أن الحكومة نفسها عملت علي تشجيعهم في الإستمرار لأن الجهاز الحكومي لا يتعقب الجناة إلا بعد مرور ثلاثة أو أربعة أيام من وقوع الحادث , لأن الإجراءات تسير ببطء داخل أروقة لجنة الأمن بالمنطقة بعد إنعقادها ونصابها القانوني , وتوفير معينات التحرك العسكري وتكملة إجراءات فتح البلاغ , وإستجواب الشاكي والشهود والتقارير الطبية إن وجدت , كل هذا يحدث وأن الأمر مربوط بحادث وقع وسط أدغال ومجاري مياه ووديان بعيدة عن العمران وبواسطة خيول وجمال لا يمكن إلتقاط أثرها علي الأرض بعد مرور ثلاثة أو أربعة أيام 0

وأن دار فور تجاور ثلاثة دول تحاددها عن قرب لدرجة أن الفاصل الحدودي بين القرية السودانية والتي تجاورها من جانب الدولة الأخري لا يتعدي بضعة خطوات أو أمتار , وهذا يعني أن ملاحقة الجناة تحتاج إذن من الدولة صاحبة السيادة 0

2- الميليشيات القبلية المسلحة :
ففي ظل هذا العجز الحكومي للتصدي لعمليات النهب المسلح التي تقع علي مشارف المدن , وعلي وضح النهار أحيانا لدرجة أن أصوات الرصاص تكون مسموعة للجهاز العسكري والأمني للدولة 0
تولد لدي الأهالي شعور بعدم رغبة الجهاز الحكومي في توفير الأمن لهم وأن تراخي الجهاز الحكومي في إتخاذ إجراءات حاسمة وصارمة تجاه الظاهرة سيعرضهم لمزيد من الهجمات , كل هذا يحدث في الأقاليم جنبا إلي جنب مع الإشتباكات القبلية بين القبائل بالمنطقة , لأن الحروب القبلية مستمرة منذ أمد بعيد بالمنطقة , فهي تنشأ من وقت لآخر متي ما توفر لها المناخ المناسب , سواء كانت نتيجة إحتكاك حول الموارد أو وقوع فتنة بسبب حادث نهب معين 0

مثلا وقع حادث علي مجموعة من قبيلة معينة وهي طرف في نزاع مع قبيلة أخري , فإذا وقع حادث النهب مثلا في نفس دائرة النزاع فإن التأويل يكون اقرب إلي الإشاعة قرينة الصدق فتقود إلي فتنة قبلية , فهنا لجأت القبائل إلي تأسيس تكوينات شبه عسكرية تعمل علي حماية مواردها وممتلكاتها ومراعيها , ساعد علي ذلك برامج التدريب العشوائي من قبل الجهاز الحكومي في مجال الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية 0
وهذا الأمر في دار فور كان مسنود إلي رجال الإدارة الأهلية , والذين إستفادوا منه في تنفيذ أجندة القبيلة السرية في مشروع التكوينات المسلحة لحماية القبيلة , كما أن الجهاز الحكومي سمح لرجال الإدارة الأهلية بتدريب قوات إسمها قوات الفزع , بمعني أن هذه الميليشيات تتعقب الجناة من عصابات النهب المسلح في حالة وقوع الهجوم في دائرة إختصاصاتهم ولكن العمل لا يمكن أن يوصف بأنه أداء لواجب وطني في ظل وجود ما يعرف بهيبة الدولة وقدرتها علي إقناع المواطن بأنها تقوم بواجب الحماية والدفاع عنه 0

فواضح أن الجهاز الحكومي تخلي عن دور حفظ الأمن واسند المهمة إلي رجال الإدارة الأهلية في دار فور , وفات عليه أن رجال الإدارة الأهلية يمثلون رمزا للقبيلة التي تتعرض لهجمات من قبيلة أخري , ففي هذه الحالة ما علي رجل الإدارة الأهلية إلا أن يقود القبيلة فارسا مقداما , أو يحاصر بمنافس له في منصبه , وهذا المنافس له غالبا ما يكون مسنود بسند ودعم من الجهاز الحكومي تطبيقا لنظرية ( فرق تسد ) وسياسة أشغل أعدائي بأنفسهم , لأن نظام الإنقاذ يعتبر أن أهل دار فور يمثلون معقل لحزب الأمة , وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها , ولا يمكن لحكومة الإنقاذ أن تصرف النظر عنها , وتبعدها عن إستراتجيتها في المستقبل إذا أجبرت علي الحياة الديموقراطية عبر ممارسة إنتخابية , والحقيقة الأخري أن ظهور الميليشيات المسلحة في دار فور وفي السودان كان علي يد حزب الأمة والجبهة الإسلامية , وهذا كان معروفا منذ تشكيل الجبهة الوطنية في ليبيا 0

حيث أن الجبهة الإسلامية كانت المسئولة عن عمليات توريد السلاح والقيام بمهمة عقد الصفقات , وحزب الأمة كان يقوم بتوفير المقاتلين , أما الحزب الإتحادي فهو من أهل الشمال , فكان بعيدا عن توفير مقاتلين فساهم بالقدر المطلوب من الدعم المادي , وإستمرت عمليات إحتضان الميليشيات المسلحة بين حزب الأمة والجبهة الإسلامية , فالأول و صل إلي السلطة في إنتخابات 1986م , والثانية وصلت للسلطة عبر بوابة الإنقلاب في 1989م , وجاهرت بميليشياتها ولكن بطريقة مقننة عبر الدفاع الشعبي الذي كان مشروع قانون في 1981م فترة حكم نميرى , الغرض منه تسليح قبائل التماس في المناطق المجاورة لمناطق الحركة الشعبية لتحرير السودان 0
فدار فور بعيدة كل البعد يومها عن مناطق التماس المشار إليها , ولكن لتنامي ظاهرة النهب المسلح وإستمرار الحروب القبلية في المنطقة إختلطت الأوراق في الأجندة السرية لكل من الجهاز الحكومي الذي يعمل علي إثارة الفتنة في مناطق دار فور وزعماء القبائل الملاحقون من قبل عشائرهم بممارسة حق الدفاع الشرعي للذود عن حياض القبيلة 0

فلعب أنصاف المثقفون دورا بارزا في هذا الإتجاه وذلك بإتجاهين :-
1-مجموعة أنصاف المثقفين التابعين للمؤتمر الوطني ( الحزب الحاكم في السودان ) سعوا إلي تنفيذ أجندة الجهاز الحكومي الخاصة بإقصاء رجال الإدارة الأهلية المتهمين بالولاء لحزب الأمة , وإحلالهم بعناصر موالية من أنصاف المثقفين للحزب الحاكم , وفات عليهم أن تنفيذ هذه الأجندة يعمل علي خدمة نظام الجبهة الإسلامية بإثارة الفتنة ونجاح لسياسة ( فرق تسد ) 0
2-مجموعة من أنصاف المثقفين عملت علي تحريك الشعور تجاه القيام بواجب الدفاع الشرعي عن القبيلة ومكتسباتها , وتحريك الخطاب السياسي في إتجاه الإثنية والعرقية والنعرات القبلية , وساعد علي ذلك عجز الجهاز الحكومي عن القيام بواجب حفظ الأمن والإستقرار بجانب إنعدام التنمية وغيابها تماما مع إستمرار الفقر والمرض والجهل في المنطقة , وعدم إستيعاب الفاقد التربوي كما أن الإلتفاف حول القبيلة أصبح مدخل لمكسب سياسي في مجال الحصول علي المناصب في الجهاز الحكومي , فوجدت الحكومة ضالتها في هؤلاء حتي لو أنهم ينتمون لإتجاهات سياسية أخري عملت علي تشجيعهم بغرض إزكاء نار الفتنة , ووجدت فيهم الوسيلة التي تقوم بتنفيذ أجندة الجبهة الإسلامية الخاصة ( فرق تسد) , هذا السلوك اضعف رجال ألإدارة الأهلية بدار فور لأن الأمر بالنسبة لهم بين سندانين , إما الإستجابة لرغبات الجهاز الحكومي في تنفيذ أجندته أو الإقصاء من المنصب والإحلال بآخر منافس له , وإما الإستجابة لرغبات أنصاف المثقفين وتكوين الميليشيات القبلية , وهذا إذكاء لنار الحرب القبلية وتعميق الجراحات وتمزيق النسيج الإجتماعي , وهذا ما حدث فعلا الآن في منطقة دار فور التي دخلت إلي النفق المظلم محليا وإقليميا وعالميا


3 - ميليشيات الجنجويد :
لايمكن الإتفاق حول التسمية ما لم نجد مصدرها واصلها , فإن القول بأن كلمة " جنجويد " تمثل ثلاثة جيمات هذا أمر مخالف لأصل التسمية ومصدرها , فإذا نظرت إلي الكلمة في حروفها فهي تحمل حرفان للجيم
( الأولي والثالثة ) ولكن الحكومة هي التي جاءت بالحرف الثالث( جيم 3)
لأن الكلمة أصلها من مقطعين جن – جويد فلا تحمل أي تأويل أكثر من هذا , وهذا يعني أن مصدرها جاء من الجن وهو مخلوق إلهي معروف أما جويد فهو من الأسماء العربية المعروفة بمنطقة دار فور , ويرجع الأصل فيه إلي شخص يدعى أحمد جويد عاش في منطقة زالنجي بمنطقة جبل مره بولاية غرب دار فور , وظهر كشخص فارس ومقاتل في الحروب القبلية بين العرب و الفور في بداية السبعينات , ولكن كان معروف عنه كفرد فقط يعيث فسادا في الأرض وخاصة في الحروب القبلية , حيث يرتكب أفظع الجرائم المخالفة للعادات والتقاليد والأعراف بين القبائل في ثقافتها الموروثة بالمنطقة , وأن أحمد جويد هذا أصبح رمزا لهم وكان محل إعجاب وتقدير لدي ( الحكامة ) شاعرة القبيلة , وبمرور الوقت تجمع حوله مجموعة من الشباب أخذوا بسلوكه – الشعر المسترسل – العيش بعيدا في الغابات – الغارات – الإسترزاق قهرا – وغيرها من الممارسات غير الأخلاقية واللآإنسانية , لدرجة أن هذه المجموعة تقوم بهذه الأعمال أحيانا ضد ذويهم من القبائل التي ينتموا إليها , فإشتهر بين الناس أن كل شخص ما يقوم بإرتكاب هذه الأفعال يقال له " أنت راكبك جن جويد " فأصبحت المجموعة التي تمارس تلك الأفعال تعرف بالجنجويد , وعندما إستفحل أمر الحروب القبلية ظهرت مجموعات الجنجويد كميليشيات مسلحة تقاتل بجانب القبائل العربية , وفي الإتجاه المعاكس ظهرت الميليشيات المسلحة الإثنية تقاتل مع القبائل التي تنتمي إليها , وهذه الأخيرة جاء تكوينها كرد فعل للأولي , وساعد علي ذلك أجندة الجهاز الحكومي التي تعمل علي إذكاء نار الفتنة القبلية وتمزيق النسيج الإجتماعي في دار فور 0

هذا من ناحية , ولكن أيضا هناك أسباب أخري ساعدت علي ذلك هي :-
1-الجفاف والتصحر والذي يمثل الأسودين في دار فور لسنين طويلة أفقدت الإنسان الزرع والضرع وغياب التنمية وإنعدامها في بعض المناطق وإهمال الجهاز الحكومي لتطوير الخدمات وتحسينها افقد إنسان دار فور البدائل والمعينات للكسب والإسترزاق في حياة كريمة , فلجأ البعض من ضعاف النفوس إلي التكسب عبر فوهة البندقية 0
2-ضعف الجهاز الحكومي في مكافحة ظاهرة النهب المسلح وضعف المؤتمرات التي تقام للصلح القبلي , فكل التوصيات تذهب أدراج الرياح , فحتي الآن لم تسدد الديات ولم تفتح المسارات , ولم يتم جمع السلاح , بل إستمرت عمليات التجنيد العشوائي والانتقائي لبعض القبائل , والجو مازال متوترا ومشحونا بمرارة الصراع القبلي , فأصبح الهدف مزدوج وفي غير الإتجاه الصحيح 0
3-سياسة العنف وثقافة العنف التي مارسها الجهاز الحكومي طوال فترة حكمه في محاولة منه للتصدي لحرب الجنوب متجاهلا ما يجري في دار فور وشرق السودان , فحبب للناس البندقية والقتل والجهاد والدفاع الشعبي تحت مسميات مخالفة الشرع قانونا ودينا فعندما إنفجر الوضع في دار فور صاحب الجهاز الحكومي عيب الرؤية لحقيقة الأمور وعيب التستر والتعتيم الإعلامي لكشف حقيقة الأوضاع في دار فور , فكان الجهاز الحكومي يري أن الصراع لا يزال قبلي وإثني وأنه صراع حول الموارد وحول إمتلاك الأرض ( الحوا كير ) وأنه محاولة لإمتلاك الأرض وعدم السماح للآخرين بالمشاركة في الماء والكلأ , وهذه الأمور التي تتعلق بإنسداد بصيرة الجهاز الحكومي كانت تخدم في الأصل أجندة النظام الخبيثة وهي إثارة الفتنة بين الناس 0

4- ظهور الحركات المسلحة في دار فور :
إن ثورة المهمشين في دار فور وفي المناطق التي إنعدمت فيها التنمية بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة علي سدة الحكم تعتبر ثورة ضاربة في جذورها منذ زمن بعيد 1957م إلي أن ظهرت جبهة نهضة دار فور في 1964م علي يد زعيم المعارضة البرلمانية من أبناء دار فور السيد/ أحمد إبراهيم دريج – ثم ظهرت لا حقا حركة سوني , وحركة اللهيب الأحمر وتضامن قوي الريف , وأخيرا حركة بولاد وهو أحد أبناء دار فور من التيار الإسلامي الحاكم الآن في السودان 0

ولكن أسباب الصراع المسلح السياسي في دار فور لا يخرج عن الأسباب الجوهرية الآتية :-
1-غياب التنمية وإنعدامها , وغياب الإصلاح السياسي والإقتصادي في دار فور منذ الستينات 0
2-سياسة الإقصاء والتهميش التي مارستها حكومة الإنقاذ ضد أبناء دار فور وتركيز السلطة في يد مجموعة بسيطة لا تمثل 2% من سكان السودان , وهذا ما يؤكده قيام الثورات في الشرق وكر دفان وحتي في شمال السودان المحسوب لفئة من الجالسين لملأ سدة الحكم الآن 0
3-المشروع الحضاري الإسلامي الفاشل الذي جاءت به حكومة الإنقاذ والذي ولد العنف في جنوب السودان , وأصبح العنف ثقافة تصدر من قيادات النظام في أعلي مستوياتها ( نحن لا نتفاوض إلا مع من يحمل السلاح ) ( لا تفاوض مع هؤلاء ولا اسري ولا جرحي , إحسموا الأمر في أسبوعين وارفعوا التمام )
كما أن المشروع الحضاري في ميله للعروبة والإسلام ولّد نوع من
الشعور بالإنتماء إلي القبيلة والعرق 0 وأصبح ضدالثقافات
الأخري بالسودان المتعدد الأعراق في إنتمائها العرقي العربي
الأفريقي , وأنه بلد متعدد الثقافات 0
4-منطقة دار فور مرت بحالات من الجفاف والتصحر أثرت علي الأوضاع الإقتصادية للمواطن , وفي مقابل ذلك تقوم الدول بفرض رسوم وضرائب وزكاة وبنود أخري من التحصيل الحكومي بمسميات أخري ( نداء الجهاد – زاد المجاهد – ودمغة الجريح – صندوق دعم الطلاب – والأمن ) وغيرها من البنود التي جاء بها المشروع الحضاري لخدمة المنسوبين والمنتسبين للنظام , وهذه الرسوم أثقلت كاهل المواطن بدار فور الذي يعتمد علي الزراعة البدائية المطرية ويفتقد إلي المشاريع الزراعية والصناعية الحديثة , وفي المقابل تنعدم الخدمات الصحية والعلاجية والتعليمية والخدمات المساعدة الأخري والأساسية مثل : الطرق والكباري والكهرباء والمياه 0

كل هذه الأسباب مجتمعة مع غيرها هيأت الأجواء إلي ميلاد عمل مسلح منظم في إتجاه سياسي ضد الدولة , وأصبحت له أجندة ومطالب وأهداف أخذت شكل الصراع السياسي بدلا من الصراع القبلي , إلا أن الجهاز الحكومي لا يزال حتي تلك اللحظة يري الأمور من خلف منظار التعتيم الإعلامي والتقارير الملفقة , وأصبح يتحدث عن مجموعة قطاع طرق وعصابات نهب ظهرت في المنطقة , ويجب القضاء عليها , ساعد علي ذلك إنشغال الجهاز الحكومي بملف مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية بجنوب السودان بضاحية – نيفاشا الكينية – فتسارعت الخطي نحو ظهور حركات مسلحة بدار فور في ظل تجاهل الجهاز الحكومي لحجم المشكلة الجديدة في المنطقة , وعليه ظهرت حركة تحرير دار فور علي يد كل من عبد الواحد محمد أحمد نور ومني أركو مناي هذا التلاحم بين مجموعات الفور والزغاوة من منطقة دارقلا جاء نتيجة للأسباب الآتية :-
1-قيام صراع قبلي بين بعض القبائل العربية والفور بمنطقة جبل مره ترك خلفه فظائع مؤلمة بين الطرفين مع غياب الحسم الحكومي كعادته في كل مرة 0
2-شعور بالتهميش والإهمال السياسي والإقتصادي , وأن الذي يدور بين الفرقاء يقف من وراءه الجهاز الحكومي بمساعدة مجموعة من أولاد الجلابة الذين يحملون حقد دفين لأبناء الغرابة منذ أيام الدولة المهدية والتي يعتبر حزب الأمة الآن في دار فور من رموز المهدية القديمة ( الطائفية ) 0
3-تزامن حادث آخر في منطقة الزغاوة في دار قلا ومناطق أبو قمرة بين العرب من أولاد زيد و الزغاوة في حادثة سرقة جمل المدعو / عيسي أبورك شيت , أخ غير شقيق للأمير / أحمد خليل شيت أمير قبيلة أولاد زيد والذي بسببه دارت معركة في منطقة الطويل خلفت مئات من القتلى والجرحى بين الطرفين لأكثر من أسبوعين , ثم أعقبتها أحداث منطقة قرجي قرجي بين العرب أولاد زيد ومجموعة صغيرة من الزغاوة بقيادة مني أركو مناي وتم القبض علي المتهم بقتل المرحوم / عيسي أبورك شيت ويدعي علي ضحية وحبس بسجن كتم , والقضية بطرف محكمة كتم الجنائية , ومعه في القضية 36 متهم من الزغاوة0

بعد هذه الأحداث وبعد إعتقال الشرتاي آدم صبي ومقتل الملك عبد الرحمن آدم صبي محمدين ملك منطقة أمبرو إتجهت الأحداث إلي جبل مره وإلتحمت مجموعة مني أركو مناي مع مجموعة عبد الواحد محمد أحمد النور , وتم إعلان حركة تحرير دار فور وبعدها تحولت إلي حركة تحرير السودان , وأصبح عبد الواحد رئيسا ومني أمينا عاما ولا تزال حتي الآن مستمرة في النضال من أجل دار فور وقضايا دار فور 0

أما ميلاد حركة العدل والمساواة فقد جاء علي لسان رئيسها دكتور خليل إبراهيم محمد كميلاد سياسي بدأ منذ عام 1993م 0
وذلك عبر مجموعة من أبناء دار فور والذين يشاركون مع الحزب الحاكم في السودان إدارة دفة الجهاز الحكومي , وأنهم كأعضاء بالتنظيم الحاكم قاموا بتنفيذ كل المهام التي توكل إليهم سواء كانوا وزراء بالوزارات أو قيادات تنفيذية أو قيادات تشريعية 0

بل ساهموا أكثر في تنفيذ أجندة النظام الجهادية, وخاضوا غمار الحرب في جنوب السودان , إلا أنهم لما عادوا وجدوا أن النظام لا يزال ينظر إلي الأمور بمنظار التعتيم والتهميش ولا تزال سياسة الإقصاء تمارس ضدهم من قبل مجموعة بسيطة من أبناء شمال السودان0

عليه قاموا بفتح حوارات ولقاءات فردية أو سرية مع النظام الحاكم , وإستمرت الجهود السلمية متداولة من جانبهم بشأن الإصلاح التنموي والإقتصادي والسياسي والإجتماعي , إلا أن النظام الحاكم لجأ إلي سياسة الفصل للصالح العام والفصل التعسفي لكل أبناء دار فور الذين يعبرون عن رأيهم صراحة فيما يتعلق بالظلم الواقع عليهم وعلي مناطقهم منذ الإستقلال وحتي الآن 0

والقول له بأنهم رغم ذلك إستمروا في الإتجاه السلمي إلي أن وصلوا في عام 2003م إلي قرار أخير ونهائي بأن يتم إتخاذ موقف تاريخي , وساعد علي ذلك تصريح الجهاز الحكومي في دعوته للحرب عندما قال رئيس النظام بأنه ( لا تفاوض إلا مع من يحمل السلاح ) وإن كان يقصد به حركة تحرير دار فور عندما ظهرت في مهدها , ولكن والي ولاية شمال دار فور الفريق / إبراهيم سليمان وهو من أبناء دار فور وكان يعلم بخطورة الموقف , وخطورة التصعيد العسكري وهو يدعو للحوار والتفاوض , فما كان من الجهاز الحكومي إلا أن أقاله من منصبه وجاء بخلفه الحالي الذي يمتطي حصان العنف الحكومي الذي زاد من تردي الأوضاع بالإقليم حتي أصبحت الكارثة توصف بأنها أكبر كارثة إنسانية في العالم 0

فا‘ن مجموعة الدكتور / خليل أدركت أن تصريح الجهاز الحكومي يعني أن لا مجال لمحاولات التفاوض السلمي , لذا قرروا حمل السلاح وكان المخطط هو أن تقوم الثورة المسلحة بمناطق جنوب دار فور بعيدا عن مناطق الصراعات القبلية , وفي مناطق كانت مهدا للثورة المهدية , وبها مجموعات إثنية متنوعة , إلا أن لأسباب تتعلق بالعمل السري شاءت الأقدار أن تتجه الأحداث إلي شمال دار فور 0

وأن أول طلقة لحركة العدل والمساواة السودانية أطلقت في 2 مارس 2003م , وأشهر معاركها معركة مطار الفاشر 25/4/2003 وهي لا تزال مستمرة بدار فور , وبعدها تمكنت من عقد مؤتمرها العام بطرابلس بالجماهيرية الليبية في الفترة من 3 يناير – 6 يناير 2005م , وقامت ببناء هياكلها التنفيذية والتشريعية عبر مؤسسية منظمة ومشاركة قومية , وتم إعلانها حركة مستقلة , وتحولت من دار فور إلي كل السودان بإعتبارها ثورة الأقاليم المهمشة , وأفردت أمانة لكل إقليم من أقاليم السودان الست , وأصبح القرار للمجلس التشريعي 0

وتحت الهجمات المتكررة لحركتي التحرير والعدل والإنتصارات العسكرية والإعلام الواسع وإعتراف المجتمع الدولي بحجم المشكلة في دار فور , إضطرت الحكومة في السودان إلي الإعتراف بهذه الحركات والجلوس معها في مفاوضات مستمرة الآن 0

بجانب هذه الحركات شهدت الساحة السياسية في دار فور ميلاد حركات أخري , إلا أن الإتهام قائم حولها بإعتبارها صنيعة حكومية وذلك من خلال الإعتراف السريع والمفاجيء من الحكومة بها والجلوس معها في مفاوضات دون شروط ودون أن تطلب الإنضمام في منبر أبوجا التفاوضي لحل أزمة دار فور , وهذه الحركة تسمي بالحركة الوطنية للتنمية والإصلاح بقيادة جبريل عبد الله وهي تحتمي بمنطقة جبل مون شمال شرق مدينة الجنينة بولاية غرب دار فور 0




مسيرة المفاوضات المتعثرة
هذه المسيرة المتعثرة من المفاوضات بشأن أزمة دار فور بدأت في الفترة من 28/8/2003 – 30/8/2003 – 2/9/2003م وكان فيها الجانب الحكومي برئاسة السيد / الطيب إبراهيم محمد خير , وهذه المفاوضات عقدت بدولة تشاد المجاورة للسودان من الناحية الغربية , وهي الدولة الأكثر تداخلا مع السودان من الناحية القبلية والمتأثرة أكثر من غيرها بتدخل السودان في شئونها الداخلية , حيث أن كل التغيير السياسي لنظام الحكم في دولة تشاد يتم تصديره من السودان 0
لدرجة أن الشعور العام لدي المواطنين التشاديين السائد الآن ومنذ إستلام السلطة في تشاد بواسطة الرئيس الحالي إدريس دبي في 1990م هو أن حكومة تشاد تدار بواسطة سودانيين وليس تشاديين 0

ففي مدينة إبشي التشادية عقدت أول جولة للمفاوضات بين أطراف النزاع وأسفر اللقاء عن إتفاق جاء فيه الآتي :-
1-وقف إطلاق النار 0
2-وقف العمليات العدائية 0
3-السلام والتعايش ضرورة لا بد منها 0
أما في الجولة الثانية وفي نفس المدينة التشادية المشار إليها عقدت الجولة الثانية من المفاوضات في الفترة من 26/10/2003م – 4/11/2003م وهذه الجولة جاءت علي خلاف الأولي حيث أن المطالبة هذه المرة إختلفت , كما شهد ميلاد حركة جديدة هي حركة العدل والمساواة السودانية , وتغير إسم حركة تحرير دار فور إلي حركة تحرير السودان فالمطالب الجديدة هي :-
1-بروتوكول لحماية المواطنين 0
2-بروتوكول لإيصال الإغاثة 0
3-رعاية دولية للمفاوضات بجانب الوسيط التشادي 0

أما مطالب الحركات المسلحة التي وافق عليها الوسيط التشادي بأن يعرضها علي الحكومة السودانية فهي :-
1-العفو العام 0
2-إستيعابهم بالقوات النظامية 0
3-جمع السلاح من ميليشيات الجنجويد بالتزامن مع سلاح الحركات المسلحة 0
4-إعمار المناطق المتأثرة من الحرب 0
5-معالجة مسألة الديات في أحداث قرجي قرجي التي وقعت بين مجموعة من العرب من قبيلة أولاد زيد وبين مجموعة الزغاوة من منطقة دار قلا 0
6-تعزيز جهود اللجنة الثلاثية المكونة من السودان وتشاد والحركات المسلحة بدار فور 0

أما المطالب التي لم يتم الإتفاق عليها ولكن تطرح للتفاوض فقد إشتملت علي :-
1-أن تكون الإغاثة تحت رعاية دولية 0
2-تعتبر قضية دار فور قضية سياسية 0
3-أن تتم المساواة بين أبناء دار فور 0
4-رقابة دولية لتنفيذ الإتفاق 0

أما الجولة الثالثة من المفاوضات فقد تم رفعها إلي العاصمة التشادية (أنجمينا ) وعقدت بتاريخ 16/12/2003م , وجاءت خلالها (6) مطالب جديدة هي :-
1-تكوين حكومة فيدرالية بإقليم دار فور برئاسة الحركات المسلحة 0
2-تحدد فترة إنتقالية مدتها عامين أو أربع أعوام حسب ما يتفق عليه0
3-الحركات المسلحة تتسلم القيادة العسكرية للمنطقة الغربية 0
4-تخصيص نسبة 13% من الناتج القومي 0
5-رقابة دولية لتنفيذ الإتفاق 0
6-منحهم وزارات سيادية في السودان 0

عليه ومنذ ذلك الحين تعسرت المفاوضات بين طرفي النزاع ونقلت إلي دولة أخري هي دولة نيجيريا , لرئاستها للإتحاد الأفريقي حيث أن الأمم المتحدة تدخلت وحولت ملف أزمة دار فور إلي أروقة الإتحاد الأفريقي بإعتباره أزمة إقليمية تقع داخل إختصاص الإتحاد الأفريقي كمنظمة إقليمية جاء ميلادها كبديل لمنظمة الوحدة الأفريقية , فبدأت المفاوضات في مدينة أبوجا في نيجيريا ولكنها بداية النهاية حيث أنها لم تعقد إلا لتنفض ثم تعقد مرة أخري للإنفضاض أيضا حتي كتابة هذه السطور , ولكن الآن وبعد إنعقاد القمة الأفريقية بالجماهيرية الليبية فقد تحدد موعد جديد لبدء المفاوضات بين طرفي النزاع في نهاية مايو 2005م بعد ركود دام طويلا شهدت خلاله الساحة السياسية السودانية تداعيات عديدة بشأن القرار الخاص بمحاكمة مجرمي الحرب في أزمة دار فور أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد أن تقدمت فرنسا بمشروع القرار وسكتت أمريكا عن التصويت لصالح المحكمة الخاصة , وإمتنعت عن إستخدام الفيتو ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية بعد أن حصلت علي ضمانة إستثناء رعاياها وذلك ما لم تكن توقعه حكومة الخرطوم التي عولت علي نجاح فكرة المحكمة الخاصة 0

حيث أن حكومة الخرطوم تري في فرنسا أنها تقوم برد الجميل لما قامت به حكومة الخرطوم تجاهها عندما سلمت الإرهابي العالمي المدعو / كارلوس لدولة فرنسا , كما أن حكومة الخرطوم تري في أمريكا أن صديق السر يقف معها في وقت الجهر , فمثلما تعاونت حكومة الخرطوم مع المخابرات الأمريكية سرا بشأن ملفات الإرهاب وتنظيم القاعدة , كانت تتوقع أن الإدارة الأمريكية بمجاهرتها ورفضها لمشروع المحكمة الجنائية الدولية رسالة للحكومة السودانية بأن الوقت مناسب لرد الجميل 0

وفات علي حكومة الخرطوم أن الإفتخار والتبجح بمهنة العمالة والخيانة يجلب الإحتقار والإبتزاز من قبل الإدارة الأمريكية وكل الجاسوسية في العالم نهايتها كما هو نهايتها كما هو معروف في تاريخها 0

فإذا ما قدر لطرفي النزاع أن يلتقوا هذه المرة في جولة المفاوضات القادمة فإن اللقاء سيكون الأخير إن شاء الله بشأن حل أزمة دار فور , ولكن هذا يتطلب قدرا من المصداقية في تنفيذ ما إلتزم به كل طرف من قبل وخاصة الجانب الحكومي حيث أن الحكومة السودانية إلتزمت بأشياء عجزت هي تماما حتي الآن عن تنفيذها أو الإلتزام به وخاصة في مجال حماية المدنيين والإغاثة ووقف إطلاق النار الذي إنهار منذ الساعات الأولي لتوقيعه 0







دلالات الإشارات في أزمة دار فور
1-إن توزيع الثروة في السودان يقوم علي عدم التوازن منذ عهد الإستقلال 1956م لأن كل الوزارات المفصلية والمال ومصادره متمركزة في يد أشخاص محسوبين لجهة محددة في السودان 0
2-التخطيط في مجالات الزراعة والصناعة والمشاريع الإقتصادية الأخري تم التركيز فيه حول العاصمة وبعض مناطق الوسط ومناطق أخرى في الشمال دون مراعاة للتوزيع الجغرافي للخارطة الإقليمية للسودان , وهذا هو سبب الهجرة والنزوح نحو العاصمة وما أصابها من ضغط سكاني , وخلف مناطق في الأقاليم منعدمة الخدمات تماما 0
3-إن إسناد عملية تمويل الخدمات الأساسية في مجال التنمية مثل ( الطرق – الكباري – الكهرباء – المياه ) للجهد الشعبي من المواطنين بالإقليم أدي إلي توليد الشعور بالتهميش والإهمال , فلا بد للجهاز الحكومي أن يتحمل مسئوليته الكاملة تجاه ترقية الخدمات من الخزانة العامة وعدم ممارسة أية محسوبية من قبل أفراد من النظام في الوزارات المفصلية ووزارات المال , حيث يتم توجيه الإنفاق الحكومي بطريقة فيها قدر كبير من المحسوبية الحكومية 0
4-إن عملية تحسين الأوضاع بالمدارس – الآبار – بعض المراكز الصحية لا يعني القيام بتنمية دائمة بهذه المناطق , وحتي هذه المرافق بدائية في تطويرها حتي الآن , فإن التنمية المستدامه هي بتطوير الخدمات الأساسية التي تعتبر وسيلة أساسية لها ( الطرق – الكباري – الإتصالات – المطارات – الكهرباء – المياه ) 0
5-طبيعة السكان في دار فور رعوية زراعية , أي أن الإنسان يجمع بين النشاط الزراعي والرعوي ولا يوجد نشاط بحتي حتي الآن في دار فور , وعليه لابد من تطوير خدمات توطين الرحل منعا للنزاعات والإحتكاكات وتكرارها , وذلك بتوفير خدمات المياه الخاصة بالرحل الرعاة , وفتح المسارات والمراحيل ومراقبتها أثناء إستخدامها 0
6-العمل علي ربط الأقاليم بالعاصمة عبر شبكة طرق مسفلته وسكك حديدية وإتصالات وعبر مطارات , بالإضافة إلي ربط ولايات الإقليم ببعضها البعض وبدول الجوار إمتدادا لعلاقات حسن الجوار المنشودة , وتشجيعا للإستثمار بهذه المناطق مع مراعاة التوزيع الجغرافي للإقليم ( صحراء – شبه صحراء – السافانا – إقليم البحر الأبيض المتوسط بمنطقة جبل مره ) 0
7-العناية والتركيز علي تطوير العنصر البشري بالإقليم حتي لا يتحول إلي قيادي في عصابات النهب المسلح والصراع القبلي , وهذا يتطلب الإهتمام بالتعليم والصحة والتأهيل وغيرها من البرامج التي تساعد علي إستيعاب الفاقد التربوي الكبير بهذا الإقليم 0
8-العمل علي إستغلال الموارد الطبيعية والإستفادة منها وخاصة في مجال السياحة في منطقة جبل مره والغابات والثروة المعدنية 0
9-المواطنة أساس المشاركة في السلطة والثروة وإعتماد العدل والمساواة في الحقوق والواجبات وذلك بإعادة النظر في نظام الحكم في السودان 0
10-البعد عن نظرية الكسب السياسي عبر الإثنيات والقبلية , فإن إقحام القبلية في العمل السياسي يعتبر من عوامل تأجيج الفتن والصراعات بهذه المنطقة , فلا يمكن أن تكون القيادة في المجتمع علي أساس القبيلة والجهة دون مراعاة للإنتماء السياسي أو الحزبي
11-إسناد الحياة المدنية وترقيتها لمؤسسات المجتمع المدني ومنظماته العاملة في هذا المجال 0
12-إن مهمة القيام بالعمليات العسكرية من شأن التنظيم العسكري الوطني القومي بالسودان , فلا يمكن إسناد هذه المهمة إلي قبيلة بعينها أو جهة محددة بأبنائها , فإن التجنيد الإنتقائي هو سبب تعقيد أزمة دار فور , والمعول الذي أصاب حكومة الخرطوم في رأسها بصدور القرار 1593 , لأن الإنتقائية في التجنيد ولدت ما يعرف بميليشيات الجنجويد , ومن قبل ولدت ما يعرف بالمجاهدين والدبابين في حرب جنوب السودان والذين كانوا من المحسوبين للنظام وخاصة الوصوليين والنفعيين الراكضين خلف كراسي السلطة 0
13-إقتصار دور رجال الإدارة الأهلية في مجال رتق النسيج الإجتماعي , وعدم إشراكهم في عمليات التجنيد العسكري أو تنفيذ الأجندة السياسية للنظام وجمع الأسلحة الموجودة بحوزتهم ومنع عمليات تدريب ميليشيات خاصة بهم 0



مؤشرات في إتجاه عجز نظام الخرطوم
1-حتي الآن لا يستطيع حماية المدنيين الذين يتعرضون لهجمات متكررة من عصابات النهب المسلح داخل نطاق الإقليم نهارا جهارا رغم إنتشار قوات الشرطة بالآلاف وقوات الإتحاد الأفريقي , كما أن هجمات الجنجويد أحيانا تصل إلي داخل معسكرات النازحين هي الأخري تتم بعلم نظام الخرطوم 0
2-حتي الآن لم يستطع نظام الخرطوم جمع سلاح ميليشيات الجنجويد أو حتي منعها من شن هجماتهم ضد المدنيين الأبرياء العزل 0
3-عجز القوات العسكرية من صد هجمات الحركات المسلحة وإنسحابها المتكرر أمام زحفها , وأن قوات الحركات المسلحة منتشرة في جميع أنحاء الإقليم 0
4-عدم تنفيذه لكل الإتفاقات المبرمة معه سواء من جانب الحركات المسلحة أو مع المجتمع الدولي , وحتي الآن لم يتخذ أي خطوات إيجابية تجاهها , وهذا العجز أفقدهم المصداقية في تنفيذ ما إلتزموا به فأصبح معزولا محليا ودوليا , فصدر في حقه القرار 1593 , ومن قبله القرارين رقم 1590 – 1591 0

أما أسباب فشل النظام فهي تتلخص في الآتي :-
1-منذ بداية ظهور الأزمة لم يستعمل النظام صوت الحكمة فلجأ إلي الخيار العسكري والحسم الفوري لأنه لم يدرك حجم المشكلة , فإعتبرها في حجم قطاع الطرق وعصابات النهب المسلح وهو في الأصل عجز تماما عن حسم عصابات النهب المسلحة منذ ظهورها في الإقليم في عام 1981م وحتي وصوله لسدة الحكم في السودان في عام 1989م , وساعد علي إنتشارها بصورة أكبر وأوسع مما كانت عليه بسبب إنتشار السلاح العشوائي وإذكائه لنار الفتنة القبلية والكسب السياسي القبلي 0
2-إختباره للحرب بدلا من الحوار والسلم بإعلانه لا تفاوض مع هؤلاء ولا اسري ولا جرحي , أحسموا الأمر في إسبوعين , وأرفعوا التمام , ولا يدرك أن خيار الحرب يعني الإستمرار في تعقيد الأمور والذي ظل مستمرا حتي الآن لأكثر من عامين بدلا من إسبوعين , كما أن خيار الحرب هو إعلان بوقوع إنتهاكات ضد حقوق الإنسان , وإنتهاكات للقانون الدولي الإنساني ( النازحين – اللآجئين – القتل – الإغتصاب ) 0
3-بعد وقوع الأزمة ظهرت الحقائق التي كانت يعمل النظام علي تعتيمها إعلاميا وسياسيا , وإستمر النظام في سياسة الحزب الواحد والإنفراد بالقرار القومي خارج المؤسسية والشورى الصورية التي يتباهى بها فعمل علي إقصاء الوطنيين والقوي السياسية الأخري من المشاركة في الحلول 0
4-بعد وقوع أحداث مطار الفاشر الشهيرة في 25/4/2004م وأن المشكلة أخذت بعدا إعلاميا عالميا , ظل نظام الخرطوم متمسكا بسياسة الكذب والنفاق وحجب المعلومات عن المشكلة إلي أن تفاجأ بقرارات دولية أدت إلي تدويل الأزمة وصنفت بأنها أسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم 0
5-تضارب خطاب العقيدة السياسية لنظام الخرطوم الموجه إلي الشعب السوداني وأهالي دار فور بصفة خاصة , فكل مسئول يعتلي المنبر الحكومي يدلي بتصريح يخالفه فيه مسئول آخر يعتلي نفس المنبر بشأن أزمة دار فور وهي في مهدها , فالتضارب كان يدور بين الحسم العسكري وإستخدام القوة وما بين تفضيل الحوار والتفاوض وآخرين ينكرون وجود مشكلة أصلا بتقليل حجمها بأنها إحتكاكات بين الرعاة والمزارعين , وكان هذا هو السائد حتي بعد وقوع أحداث الفاشر 0
6-اللجان التي كونها نظام الخرطوم تعاملت مع المشكلة بنوع من الإنحياز لرغبة الجانب الحكومي , فجاءت التقارير ملفقة ومفضوحة وكاذبة , وأن الأرقام عن حجم الكارثة علي الأرض والإنسان والحيوان والزرع والضرع كانت أرقام كاذبة لتقيل حجم المشكلة , وهذا تستر مارسته هذه اللجان في مواجهة جرائم وصفت بأنها ضد الإنسانية , وإن لم ترقي لدرجة الإبادة الجماعية , ولكنها أشد فظاعة في مجال إنتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وكانت هذه الإنتهاكات وراءها أسباب ومسببات ولم تكن جاءت أو وقعت من عدم , وأصبح الضمير العالمي الإنساني أقرب إلي أهل دار فور في محنتهم من الضمير الحكومي الظالم المجحف0
7-إنكار نظام الحكم لعمليات التجنيد العشوائي وتسليح ميليشيات الجنجويد إلي أن جاء كرها ومفضوحا في طاولة المفاوضات ليعترف بوجودها وتسليحها ولكنه حتي الآن فشل في كبح جماحها وجمع أسلحتها بل سعي إلي حماية زعمائهم المطلوبين دوليا أمام المحكمة الجنائية الدولية 0
8-عمليات الترحيل ألقسري للنازحين في وقت مبكر إلي قراهم المحروقة والغير موجودة أصلا والتي لم يقوموا بإعادة بنائها أو تعميرها علي أسس جديدة حتي لا تتعرض للحرق والدمار مرة أخري , لأنها في الأصل مشيدة من القش والمواد المحلية البدائية بجانب إستمرار المعارك العسكرية بين طرفي النزاع وإستمرار هجمات الجنجويد حتي داخل معسكرات النازحين التي تقع داخل عاصمة الولاية بالمنطقة وعلي قيد أنملة من قيادة الشرطة أو الجيش بالمنطقة , وذلك في محاولة من النظام بأن يثبت بأن الأمن مستتب والعودة طوعية , وهذه ممارسة إعلامية قام بها النظام لتضليل الرأي العام العالمي ولتقليل حجم المشكلة 0

عليه فإن جزاء الذين طعنوا صميم الكرامة الإنسانية وأصابوا النسيج الإجتماعي بدار فور بوابل من رصاصات التمزيق والتفرقة والشتات والتي خرجت من فوهة تسييس القبيلة لإزكاء نار الفتنة القبلية بمناطق دار فور جزائهم سيكون القصاص العادل أمام المحكمة الجنائية الدولية حتي يتنفس أهل الضحايا صعداء الحق 0


إسماعيل أحمد رحمه
المحامـــــي
مقرر المؤتمر العام لحركة العدل والمساواة السودانية/
القاهرة : 16/5/2005م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق